مقالات

العارف بالله طلعت يكتب: الحرب العالمية الثالثة!!

في ديسمبر عام 1991 كانت أوكرانيا بالإضافة إلى روسيا وبيلاروسيا من بين الجمهوريات التي دقت المسمار الأخير في نعش الاتحاد السوفييتي، غير أن موسكو أرادت الاحتفاظ بنفوذها عن طريق تأسيس رابطة الدول المستقلة (جي يو إس). كان الكرملين يظن وقتها أن بإمكانه السيطرة على أوكرانيا من خلال شحنات الغاز الرخيص. لكن ذلك لم يحصل. فبينما تمكنت روسيا من بناء تحالف وثيق مع بيلاروسيا كانت عيون أوكرانيا مسلطة دائماً على الغرب.

هذا أزعج الكرملين، ولكنه لم يصل إلى صراع طوال فترة التسعينيات. آنذاك كانت موسكو تبدو هادئة لأن الغرب لم يكن يسعى لدمج أوكرانيا. كما أن الاقتصاد الروسي كان يعاني، والبلاد كانت مشغولة بالحرب في الشيشان في عام 1997 اعترفت موسكو رسمياً من خلال ما يسمى بـ”العقد الكبير” بحدود أوكرانيا، بما فيها شبه جزيرة القرم التي تقطنها غالبية ناطقة بالروسية.

شهدت موسكو وكييف، أول أزمة دبلوماسية كبيرة بينهما في عهد فلاديمير بوتين ففي خريف عام 2003 بدأت روسيا بشكل مفاجئ في بناء سد في مضيق كريتش باتجاه جزيرة “كوسا توسلا” الأوكرانية واعتبرت كييف ذلك محاولة لإعادة ترسيم حدود جديدة بين البلدين، وازدادت حدة الصراع ولم يتم وضع حد له إلا بعد لقاء ثنائي بين الرئيسين الروسي والأوكراني. عقب ذلك أوقف بناء السد لكن الصداقة المعلنة بين البلدين بدأت تظهر تشققات.وأثناء الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا عام 2004 دعمت روسيا بشكل كبير المرشح المقرب منها فيكتور يانوكوفيتش إلا أن “الثورة البرتقالية” حالت دون فوزه وفاز بدلاً منه السياسي القريب من الغرب فيكتور يوشتشينكو و خلال فترته الرئاسية قطعت روسيا إمدادات الغاز عن البلاد مرتين في عامي 2006 و2009 كما قُطعت أيضاً إمدادات الغاز إلى أوروبا المارة عبر أوكرانيا. وفي عام 2008، حاول الرئيس الأمريكي آنذاك جورج دبليو بوش إدماج أوكرانيا وجورجيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وقبول عضويتهما من خلال برنامج تحضيري. قوبل ذلك باحتجاج بوتين وموسكو أعلنت بشكل واضح أنها لن تقبل الاستقلال التام لأوكرانيا كما أن فرنسا وألمانيا حالتا دون تنفيذ بوش لخطته وأثناء قمة الناتو في بوخارست تم طرح مسألة عضوية أوكرانيا وجورجيا ولكن لم يتم تحديد موعد لذلك.ولأن مسألة الانضمام للناتو لم تنجح بسرعة، حاولت أوكرانيا الارتباط بالغرب من خلال اتفاقية تعاون مع الاتحاد الأوروبي في صيف عام 2013، بعد أشهر قليلة من توقيع الاتفاقية مارست موسكو ضغوطاً اقتصادية هائلة على كييف وضيقت على الواردات إلى أوكرانياوعلى خلفية ذلك، جمدت حكومة الرئيس الأسبق يانوكوفيتش الذي فاز بالانتخابات عام 2010 وانطلقت بسبب ذلك احتجاجات معارضة للقرار أدت لفراره إلى روسيا في فبراير عام 2014ضمت روسيا القرم في مارس عام 2014 وكانت هذه علامة فارقة وبداية لحرب غير معلنة وفي نفس الوقت بدأت قوات روسية شبه عسكرية في حشد منطقة الدونباس الغنية بالفحم شرقي أوكرانيا كما أعلنت جمهوريتان شعبيتان في دونيتسك ولوهانسك يترأسهما روس أما الحكومة في كييف فقد انتظرت حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية في مايو 2014 لتطلق عملية عسكرية كبرى أسمتها “حربًا على الإرهاب”. وفي يونيو من نفس العام التقى الرئيس الأوكراني المنتخب للتو بيترو بوروشينكو وبوتين لأول مرة بوساطة ألمانية وفرنسية على هامش الاحتفال بمرور سبعين عاماً على يوم الإنزال على شواطئ نورماندي و خلال ذلك الاجتماع وُلدت ما تسمى بـ”صيغة نورماندي”.

بعد الاتفاق تحول الصراع إلى حرب بالوكالة تدور رحاها حتى اليوم

ففي مطلع عام 2015 شن الانفصاليون هجومًا زعمت كييف أنه كان مدعومًا بقوات روسية لا تحمل شارات تعريف وهو ما نفته موسكو ومنيت القوات الأوكرانية بهزيمة ثانية جراء الهجوم، وذلك في مدينة ديبالتسيفي الاستراتيجية والتي اضطر الجيش الأوكراني للتخلي وبرعاية غربية تم الاتفاق على “مينسك 2” وهي اتفاقية تشكل إلى اليوم أساس محاولات إحلال السلام وما تزال بنودها لم تنفذ بالكامل بعد.وفي خريف عام 2019 كان هناك بصيص أمل إذ تم إحراز نجاح في سحب جنود من الجهتين المتحاربتين من بعض مناطق المواجهة لكن منذ قمة النورماندي التي عقدت في باريس في ديسمبر عام 2019 لم تحصل أي لقاءات و بوتين لا يرغب في لقاء شخصي مع الرئيس الأوكراني الحالي فلودومير زيلينسكي لأنه  من وجهة نظر موسكو  لا يلتزم باتفاق مينسك. ومنذ ديسمبر عام 2021 يطلب الرئيس الروسي بشكل علني من الولايات المتحدة ألا تسمح بانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو تتلقى مساعدات عسكرية لكن الحلف لم يرضخ لهذه المطالب.ومن جانب شهدت أسواق الأسهم وأسعار السلع العالمية تغييرات كبيرة على إثر المعركة في أوكرانيا والتي أطلقتها القوات الروسية.تغييرات الأسهم خلال المعركة في أوكرانيا .وما أن أعلنت روسيا عن إطلاق العملية العسكرية حتى ارتفعت أسعار النفط متجاوزة 100 دولار للبرميل لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من سبع سنوات.  وتراجعت الأسهم العالمية كما ارتفع سعر الذهب وسط قلق المستثمرين من التأثير المحتمل للصراع. وتجاوز سعر النفط 105 دولارات للبرميل. بالوقت الذي هناك مخاوف من أن تؤدي العقوبات الجديدة على روسيا إلى تقييد الإمدادات ورفع الأسعار في جميع أنحاء العالم.

وأدت أنباء الإجراءات الروسية إلى انخفاض حاد في أسواق الأسهم في جميع أنحاء أوروبا  وانخفضت في وقت سابق أسعار الأسهم في آسيا أيضاً بشكل حاد.وقفز سعر الذهب الذي يعتبر ملاذاً آمناً في أوقات عدم اليقين بنسبة 3 في المئة إلى أعلى سعر له منذ أكثر من عام.ولن تستمر فواتير الطاقة في الارتفاع فحسب ولكن يبدو أن أسعار المواد الغذائية سترتفع أكثر. فأوكرانيا وروسيا كلاهما من كبار موردي المواد الغذائية وأي اضطراب في الإمدادات سيجبر المشترين على البحث عن مصادر بديلة مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

 إن الانخفاض في مؤشر فوتسي 100 (كان أنباء سيئة لملايين المدخرين والمستثمرين الذين لديهم أموال في الأسهم البريطانية).

وعقوبات أوروبية جديدة

جاء ذلك بالوقت الذي أعلن قادة الاتحاد الأوروبي رداً على العملية العسكرية الروسية أنهم سيفرضون المزيد من العقوبات على روسيا.

وقال المجلس الأوروبي إنه سيفرض عقوبات ضخمة وقاسية على روسيا بسبب ما تقوم به.

 أن غزو روسيا لأوكرانيا يشكل خطراً اقتصادياً كبيراً على المنطقة والعالم الأمر الذي يهدد النمو العالمي. وفي لقاء أجراه بوتين مع الاقتصاديين الروس قال إن الحكومة ستقدم كافة أشكال الدعم لقطاع الأعمال في روسيا رداً على العقوبات الغربية المفروضة عليها وتلك التي من المتوقع الإعلان عنها على خلفية غزو روسيا لجارتها أوكرانيا.

وأكد بوتين على أن روسيا ستبقى جزءاً من الاقتصاد العالمي وأنها لا تريد تقويض النظام الاقتصادي العالمي، الذي تنتمي إليه مضيفاً أن الغرب ترك لنا (صفر) خيارات. ومازالت  العملية الروسية العسكرية في أوكرانيا تشهد تطورات متسارعة حيث تواصل القوات الروسية هجومها اتجاه العاصمة الأوكرانية كييف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى