
لقد كان لي أبا شيخا كبيرا عرفته منذ نضوج الفكر أحب الجميع وتسامح مع الصغير ووقر الكبير، منح الحقوق وقدس الأعراف وأوفي بالعهود والعقود. وأنجب الطبيب وصنع للطيبة أنفاق وصنع للشر أسوار وللخير أهرامات تمسك بشرف الكلمات وسارع نحو الخيرات ورد الأمانات وربى رجال وقفت أمام الأعداء سيفا يمطر الرقاب ودرع يحمي الاشراف .
أبي يا من انجبتني للحياة وربيتنا من الحلال وأكرمتنا في الحياة، فرحيلك مزق أمعائي بالممات، كن شفيعي لي عند الممات واحتضني علي الصراط وآنس وحدتي يوم القاك بالجنات.
حتي الآن لا استطيع ان اصدق موت ابي او يستوعب عقلي هذا الأمر لازلت أسمع صوت دعائه لي اثناء صلاة الفجر عند عودتي من إحدي التغطيات الصحفية أو المناسبات. رغم أن روحه فاضت الي رب العالمين ولكن اشعر انه هنا قريب مني، همسات صوته لا تنقطع عن أذني، كم أتمني ان يعود للحياة لأقبل رأسه وجبينه ليسامحني علي اي شئ اقترفته وقد أغضبه مني.
اشتقت لرجلٍ رحل أهداني اسمه أمسك بيدي خوفاً علي، وأحسن تربيتي انا وأخوتي، وغرس حب الخير في قلبي، اللهم اغفر لأبي بقدر شوقي له وأكثر، فقد هزمتني الأيامُ بفراق أبي .
فقد تفاجئت بسقوطه عند قرب صلاة الجمعة لتفيض الروح العطره لرب العرش العظيم، فقد رأيته يتوضأ كعادته لصلاة الفجر، وطلبت منه الدعاء لي فلم يتأخر عني كعادته معه عند كل لقاء بيننا.
هذا أبي الي أحبه الجميع وشهدوا له بحسن الخلق وطيبة القلب، فلم يتأخر عن صغيرآ أو كبيرا، دائما تجده وسط الناس في فرحتهم وحزنهم، رغم كبر سنه، إلا انه لم يبالي لذلك فخدمة الناس جزء رئيسي في حياته ونمط يومه.
يا سادة أن رحيل الأب كسرٌ لا يشعر به إلا من عاناه تتوالى بعده مصائب الحنين والاشتياق التي لا تحصى ولا تعد، فراق أبي خلق بداخلي فراغاً وحزناً لا يسد، فمتي يا عيني تتوقفي عن نزيف الدمع، ومتي يا عقلي تتوقف سيول الفكر، ومتي يا ربي تحصد روحي لألقي أبي دواء حزني.
أن رسالتي لكم جميعا هو شعوري بأن فقدانُ الأب هو الشعور أن تفقد الحياة وأنت على قيد الحياة. ونصيحتي لكم أن تبروا بأبائكم فرحيلهم أصعب مما يخطر على أذهانكم، وأنه لا شيء في هذه الحياة أشدُّ مرارةً وانكساراً وألماً من فقدان الأب، أن تفقد أباك يعني أن تفقد الإنسان الوحيد الذي يعرفك أكثر من نفسك.
كيف أصفك يا أبي بالكلمات وانت تفوقها في جميع الاوصاف والمعاني، كيف اودعك يا ابي، وأنت في رحاب الله سبحانه وتعالي، كيف انساك يا أبي وانت من آنسيتني قسوة ومرارة الحياة، أبي إلي الملتقي وليس وداعًا.