مقالات

سيد عبد الفتاح يكتب: مستشفى الهلال… حين تتحول الإنسانية إلى منظومة عمل

هناك لحظات في الحياة لا تُنسى، ليس لأنها مؤلمة فحسب، بل لأنها تكشف لك جوهر الأشياء وتمنحك زاوية جديدة للرؤية. منذ أيام قليلة، كانت شقيقتي الكبرى تعيش لحظة صعبة بعد حادث أليم اضطرها إلى إجراء عملية جراحية دقيقة في القدم اليسرى بمستشفى الهلال، حيث تم تركيب شريحة ومسامير.
ولأن للذاكرة فصولًا لا تُمحى، تذكرت على الفور أنني كنت قد زرت المكان ذاته منذ سنوات، حين كانت حماتي ترقد به عقب عملية في العمود الفقري. كان المشهد آنذاك مختلفًا تمامًا… أروقة المستشفى بدت قديمة، والأجهزة محدودة، والنظام غائب في تفاصيله الصغيرة. لم أتخيل أن الأيام قد تعيدني إلى المكان ذاته، ولكن في صورة مغايرة تمامًا.
ما رأيته هذه المرة في مستشفى الهلال جعلني أقف احترامًا وانبهارًا. كل شيء تغيّر: البنية التحتية أعيد بناؤها على أسس حديثة، الغرف أصبحت أكثر إشراقًا ونظافة، الأسرة جديدة ومجهزة بأحدث الوسائل الطبية، النظام صار سمة المكان، والانضباط يُشعرك بأنك داخل مؤسسة تحترم الإنسان قبل أن تُعالجه.
بحثت عن صاحب هذه النقلة النوعية، عن العقل الذي حرّك هذا التطور وأعاد إلى المستشفى روحه وحيويته، فوجدت الاسم الذي يستحق التقدير: الدكتور أحمد حواس، المدير الحالي للمستشفى، الرجل الذي أثبت أن القيادة ليست منصبًا بل مسؤولية، وأن الإصلاح لا يتحقق بالشعارات بل بالعمل والإرادة.
تحت قيادته، شهدت المستشفى نهضة شاملة شملت تطوير الأجهزة الطبية، وتأهيل طواقم التمريض، ورفع كفاءة الخدمة، حتى باتت مستشفى الهلال نموذجًا يُحتذى به في النظام والنظافة والرعاية والإنسانية. لم يعد المريض مجرد رقم في سجلات الدخول والخروج، بل بات محور اهتمام ورعاية وكرامة.
وأنا أتجول بين أروقة المستشفى، أدركت أن ما يحدث هنا ليس مجرد تطوير إداري أو هندسي، بل هو فلسفة إنسانية في الإدارة، رؤية تضع «المريض أولًا» وتُعيد الثقة في المنظومة الطبية الحكومية، التي كانت تحتاج إلى مثل هذه النماذج المخلصة التي تعمل في صمت وتُنجز في هدوء.
لقد نجح الدكتور أحمد حواس في أن يجعل من مستشفى الهلال قصة نجاح حقيقية، تروى بفخر، وتُدرّس كنموذج للقيادة الفاعلة والإدارة الواعية. هو بطل من طراز خاص، لا يبحث عن الأضواء، بل يجعل من إنجازاته ضوءًا يراه الجميع.
في مستشفى الهلال اليوم، تشعر أنك أمام مؤسسة تُدار بالعقل والضمير معًا، حيث يلتقي العلم بالإنسانية، والمهنية بالرحمة، والانضباط بالإبداع. وهنا فقط، تدرك أن مصر تمتلك كوادر قادرة على تحويل المؤسسات إلى منارات للأمل إذا ما أُعطيت الفرصة، وإذا ما تولى إدارتها من يؤمن بأن العمل رسالة وليست مجرد وظيفة.
ولأن النجاح لا يصنعه فرد واحد، بل منظومة من الإخلاص والتفاني، فإن ما تحقق في مستشفى الهلال يقف خلفه كتيبة عظيمة من الأطباء الأكفاء الذين يعملون في صمت، يحملون ضمير المهنة وشرف الرسالة.
ومن بين هذه الكتيبة المضيئة، يبرز اسم الأستاذ الدكتور أيمن زيان، الطبيب الإنسان، الذي أجرى العملية الدقيقة لشقيقتي بكل مهارة واقتدار، فكان نموذجًا للطبيب الذي يضع المريض في مقدمة اهتمامه، يتعامل بإنسانية قبل أن يمسك المشرط، وبثقة العالم الذي يرى في كل شفاء انتصارًا للحياة ذاتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى