لواء دكتور سمير فرج يكتب: قصة حرب أكتوبر من خلال مناظرتي مع شارون في محطة الـBBC في لندن “4”

استعرضنا في مقالي في العدد السابق كيف نجحت خطة عبور القوات المسلحة المصرية وإنشاء خمس رؤوس كباري شرق القناة بقوة 250 ألف مقاتل مصري. وفشل جميع الهجمات المضادة التي قامت بها القوات الإسرائيلية على طول خطوط إختراق الدفاعات وطرد القوات المصرية، لتعود مكانها غرب قناة السويس.
كما عرضنا قصة معركة المزرعة الصينية التي بطلها المقدم حسين طنطاوي قائد الكتيبة 16 من اللواء 16 وهو يقاتل شرق القناة، ونجاحه في صد الهجوم المضاد الذي قامت به قوات شارون لاختراق دفاعات المقدم حسين طنطاوي. (وهو الذي أصبح فيما بعد وزير الدفاع المصري لمدة عشرون عاما)
واليوم نستكمل ماذا حدث عندما فشل شارون في اختراق رأس الكوبري في المزرعة الصينية ونستكمل ما ذكره شارون بأنه بعدما فشل الجنرال أدان والجنرال ماجن في إقتحام دفاعات الفرقة ١٦ مشاة لم يجد أمامه إلا أن يعبر من البحيرات المرة متجنباً هذه الدفاعات المصرية الشرسة في المزرعة الصينية.. واندفع شارون بمجموعة قتال من سرية دبابات ومشاة واندفعوا إلى عمق منطقة الدفرسوار خلف رأس كوبري الجيش الثاني الميداني حيث بدأ شارون مهاجمة قواعد صواريخ الدفاع الجوي.. وكان يكتفى بالاشتباك عن بعد من مسافة 3 كيلومترات ليدمر رادار قواعد الدفاع الجوي.. فتتوقف بطارية الدفاع الجوي عن العمل.. حتى نجح في عمل ثغرة في حائط صواريخ الدفاع الجوي المصري.. لكى تندفع القوات الجوية الإسرائيلية لأول مرة يوم ١٧ أكتوبر لتهاجم القوات المصرية.. كما هاجمت قوات شارون مواقع المدفعية المصرية غرب القناة وبذلك تم حرمان قوات رأس الكوبرى من المعاونة النيرانية من البر الغربي. وذكر شارون أن هدفه من العبور إلى غرب القناة في البداية كان أن يندفع للاستيلاء على مدينة الإسماعيلية.. بصفتها هدفاً ذا أهمية إستراتيجية والذي لو تم الإستيلاء عليه .. يمكن للجانب الإسرائيلي.. عندما يتوقف القتال في أي مفاوضات قادمة.. باستخدام هذا العمل الحصول على مكاسب يوقف بها نزيف الخسائر أمام النصر الكبير الذي حققته القوات المصرية شرق القناة.
ويقول شارون.. إنه فوجئ.. بقتال شرس وعنيد من قوات الصاعقة المصرية غرب القناة في منطقة الدفرسوار .. ومنطقة الجناين.. وبرر شارون خسائره الكبيرة في المعدات والأرواح.. بل وإصابته هو شخصياً إصابة نقلته للعلاج إلى داخل إسرائيل.. نتيجة لشراسة رجال قوات الكوماندوز المصرية الذين كانوا يظهرون في كل مكان وسط زراعات المانجو. ولذلك قرر شارون أن تتجه جنوباً نتيجة خسائره الكبيرة في إتجاه الإسماعيلية وأن يعيد ترتيب أوراقه.. ليكون هدفه السويس بدلاً من الإسماعيلية.
وهنا نالت الخطة الإسرائيلية درجة واحدة من معهد الدراسات الإستراتيجية تحت مفهوم المرونة في تنفيذ الخطة ما دام الهدف كان هو الاستيلاء على هدف حيوي يتم التفاوض به عند توقف القتال لتكون مدينة السويس بدلاً من الإسماعيلية
ويقول شارون إنه لم يركب طائرة الإخلاء إلا بعد أن تأكد أن قواته بدأت في التحرك نحو السويس… وغيرت اتجاهاتها من الإسماعيلية إلى الجنوب. وبدأ سؤال خبراء معهد الدراسات الإستراتيجية لي عن خطة القوات المصرية ضد عمليات شارون. وأوضحت أن القيادة العامة المصرية أمرت بتحريك اللواء ٢٥ مدرع من الجيش الثالث شرق القناة. وكان هذا اللواء مسلح بالدبابة ت ٧٢ التي كانت أحدث الدبابات في الجيش المصري في هذا الوقت.. وكان هذا اللواء كاملاً بدون أي خسائر .. لأنه حتى ذلك الوقت لم يدخل أي معركة … واندفع اللواء ٢٥ مدرع وتقدم ببطء وحذر شديد.. من رأس كوبرى الجيش الثالث في اتجاه الدفرسوار على البر الشرقي.. ليقفل الثغرة بين الجيشين الثالث والثاني.. وقبل وصول اللواء ٢٥ مدرع إلى رأس كوبرى الجيش الثاني بنحو ۲۰ كيلومتراً ، كان قد وصل إلى ميدان القتال قبلها بساعة واحدة الملازم «جوفي» ومعه كتيبة صواريخ «تو» الأمريكية الجديدة.. التي كانت قد وصلت إلى العريش منذ ثلاثة أيام وتم تدريب الأطقم الإسرائيلية عليها هناك. وخلال المناظرة .. تم سؤال هذا الضابط الإسرائيلي (جوفي) في مقابلة تمت معه في إسرائيل.. عما حدث.. قال لقد وصلت لمنطقة القناة، وشاهدت وأنا متحرك غبار حركة اللواء ٢٥ المدرع المصري.. وأمرني قائد الجبهة بعمل ستارة مضادة للدبابات.. وقمت بإيقاف تقدم اللواء المدرع المصري نظراً لدقة الإصابة العالية لهذا النوع من الصواريخ الذي كان مفاجأة للمصريين.
وجاء تعليق معهد الدراسات الإستراتيجية .. ليقول إن تطبيق شارون لنظرية الاقتراب غير المباشر.. كنظرية عسكرية علمية .. سليمة .. أما التطبيق فكان لا يتماشى مع أسس ومبادئ القتال.. وذكر الخبراء.. أن شارون… لم يؤمن منطقة العبور بأي قوات.. وأن التنفيذ أشبه بعملية خاصة يطلق عليها إغارة بالقوة.. أو إغارة عسكرية.. يمكن أن تنفذها وحدات خاصة وليست عملية عسكرية رئيسية لها هدف هو الاستيلاء على مدينة ذات أهمية إستراتيجية.. وأكد خبراء معهد الدراسات الإستراتيجية أن قرار القيادة العامة المصرية بدفع اللواء ٢٥ مدرع كان سليماً .. يستحق عليه نقطتين أيضاً .. ولكن دخول بطاريات الصواريخ تو… غيرت من ميزان القتال.. وكان تعليق خبراء مركز الدراسات الإستراتيجية.. لو كان اللواء ٢٥ مدرع قد نجح في معركته شرق القناة.. ولو كانت سرعة اللواء منذ خروجه من رأس كوبرى الجيش الثالث أفضل.. لكان شارون.. وقواته قد تم تدميرهم أو أسرهم غرب القناة.. ولتغير الموقف العسكري.. والسياسي.. في الشرق الأوسط.. لعدة أعوام…
وقال خبراء معهد الدراسات الإستراتيجية في لندن.. أننا لا نوصى لأى قائد أن ينفذ فكر ليدل هارت بهذه المغامرة غير المحسوبة وغير المؤمنة.. وأن شارون يجب أن يشكر الملازم جوفي وأمريكا على صواريخ تو التي لولا تدخلهم لفشلت العملية بالكامل واحتد شارون بشدة على هذا التحليل من خبراء معهد الدراسات الإستراتيجية وقال لهم… أنا الذي حولت هزيمة إسرائيل المهينة إلى نصر على ضفاف القناة.. أنا الذي رفعت العلم الإسرائيلي فوق أفريقيا.. أنا الذي جعلت المفاوض الإسرائيلي في مباحثات الكيلو ١٠١ قادراً أن يكون نداً للمفاوض المصري، وبعد العار الذي جلبه ديان يوم ۹ أكتوبر ۱۹۷۳ وفي العدد القادم نستكمل الجزء الأخير من المناظرة التي حدثت على شاشة الـBBC مع الجنرال شارون

Scroll to Top