د. عبير عزي تكتب: الذكاء الاصطناعي ومخاوف التزييف العميق

في ظل التطورات الهائلة التي يشهدها المجتمع مع تطور وسائل الاتصال الحديثة وظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها المختلفة ولاسيما في مجال الاعلام وصناعة المحتوى ظهرت بعض المخاوف من قبل المفكرين والعلماء مع ظهور ما يسمى بظاهرة التزييف العميق والتي اعتمدت بشكل أساسي على تقنيات الذكاء الاصطناعي .
ويشير التزييف العميق الى استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تزييف مقاطع الفيديو بصورة يصعب معها التفريق بين ما هو حقيقي وما هو مزيف ، وعلى الرغم من استخدام هذه التقنية في الاعمال الفنية والابداعية لأغراض التسلية حيث يمكن لهذه التقنية ان ترسم ابعاد الشخصية بشكل دقيق كأن يقوم مخرج العمل الفني باستحضار شخصية متوفية أو أن يقوم بتجسيد حوار للشخصية في عمر أصغر أو أكبر لخدمة الاهداف الدرامية أو تجسيدها في فترة أو حقبة زمنية تاريخية بملابس وأزياء تلك الفترة أو لتجسيدها في المستقبل بما يخدم الهدف الدرامي ، إلا أن استخدام هذه التقنية بدأ يتزايد بشكل مخيف في حملات التضليل الاعلامية وفبركة الأخبار والمحتوى وانتحال الشخصية بالصوت والصورة وتشويه السمعة ، وأصبحت هذه التقنيات متاحة للجميع في الفضاء الالكتروني دون وجود ضوابط للاستخدام أو للرقابة على تلك المضامين وأصبح التلاعب بالصور والنصوص والاصوات أداة لجذب التفاعل والانتباه وحشد الرأي العام لجنى أكبر عدد من المشاهدات بل وأصبح في متناول المستخدم العادي من خلال الاف التطبيقات الالكترونية الموجودة في مخازن التطبيقات ، وفي ظل غياب الوازع الاخلاقي قد تستخدم هذه المضامين في إلحاق الضرر بالمجتمع وهدم الثوابت وزعزعة الاستقرار فيه من قبل أعداء الوطن ، وقد تلقى قبولا لدى كثير من الشرائح الاجتماعية الاقل وعيا وتعليما وهو ما يساعد في بث حالة الفوضى وتصديق الشائعات والأكاذيب ، ومع التطور الرهيب في هذه التقنيات الذي لا يوازيه تطور في منظومة القوانين تمكن من ملاحقة مرتكبي الجرائم المعلوماتية ومعاقبتهم ، فإن الأمر يهدد بعواقب وخيمة إذا لم يتصد المجتمع بكل كياناته لمحاربة هذه الظاهرة ، والحل يكمن في خلق الوعي لدى المجتمع بعدم تصديق كل ما يشاهدونه على منصات التواصل الاجتماعي دون التأكد من هوية المصدر والبحث عن الاخبار والمعلومات من المصادر الرسمية والموثوقة ، كما ينبغي ان يتم تطوير تقنيات الكشف عن المحتوى المفبرك حتى لا تتفشى هذه الظاهرة وتتسبب في زعزعة الاستقرار والسلام المجتمعي والنصيحة الاساسية هي التأكد من السياق وهل ما تراه حقيقي ومنطقي أن أنه يندرج تحت مسمى الأخبار الزائفة.
ومما لاشك فيه ان التطور العلمي إذا لم يكن مصحوبا بالضوابط الأخلاقية والقانونية التي تضعه على الطريق الصحيح لخدمة المجتمع والإنسانية فإنه سيكون نذير شؤم على المجتمعات التي قد تنجرف في هذا المنزلق الخطير .
وختاما فان الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين قد يستخدم فيما يفيد وقد يستخدم في إلحاق الضرر في ظل غياب الضمير والنزاهة والشفافية والضوابط القانونية والاخلاقية التي تمنع استخدامه على نحو يسيء للاشخاص أو يضر بالمجتمعات ، حيث ان التكنولوجيات الحديثة ليست سيئة في حد ذاتها ولكنها تعتمد على سلوكيات المستخدم وضرورة وجود الضوابط القانونية اللازمة لحماية الاخرين من وقوع الضرر .

Scroll to Top