د. عبير عزي تكتب: ثقافة الاستهلاك في عصر السماوات المفتوحة

لاشك أن التسوق هو أحد النشاطات الممتعة التي يحاول من خلالها الأشخاص قضاء احتياجاتهم الأساسية وليس ذلك فحسب بل هو شكل من أشكال الأنشطة الترفيهيه التي تسمح بالاستمتاع بوقت الفراغ في أحيان أخرى، بل إنه قد يتحول في بعض الاحيان الاخرى إلى نوع من الهروب من مشاكل الحياة ، وقد يتحول لدى البعض إلى سلوك إدماني وخصوصا مع تزايد الاستخدام لمواقع التواصل الاجتماعي والتي أثرت على ثقافة الاستهلاك وصورة الانسان عن الواقع وعن الذات ، وهو الامر الذي قد يطرح تساؤلًا في غاية الاهمية حول ما أريد وما أحتاج ، ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام المسوقين لأدوات جديدة في عالم الفضاء الالكتروني مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز وتطبيقات التسوق المختلفة التي بلا شك سهلت على المستخدم امكانية فحص المنتجات وشرائها دون عناء كما هو الحال في التسوق التقليدي وكذلك وسائل الدفع الالكتروني التي جعلت من عملية البيع والشراء تجربة سهلة وممتعة إلا ان التقنيات الحديثة فرضت مجموعة من الإشكاليات في هذا المجال ومنها ثورة التطلعات التي رفعت من سقف التطلعات لدى المستهلك وجعلته ينفق أمواله بطريقة غير رشيدة بنية التقليد أو السير مع القطيع أو الرغبة في محاكاة انماط استهلاك الطبقات الاجتماعية الأكثر ثراء وهو السباق الذي لا ينتهي حيث يطرح المسوقون كل يوم ما هو جديد مما قد يثير رغبة المستهلك في مواكبة التطورات والتخلص من كل ما هو قديم سيرا مع الركب وهو ما نتج عنه انتشار الثقافة الاستهلاكية ولاسيما مع انخفاض درجة الوعي وزيادة المغريات واستخدام وسائل الابهار لجذب العميل ، وهو ما يأتي على حساب أشياء أخرى أكثر أهمية فيما يخص بند الإنفاق ، ومن الاشكاليات المطروحة أيضا في مجال التسوق الالكتروني هو وصول المنتج الى العميل بصورة لا تطابق صورة المنتج التي وجدها على المواقع الالكترونية من حيث الجودة والمواصفات مع زيادة تقنيات الابهار المستخدمة والتي قد تؤثر على ثقة الجمهور في المنتج وثقته في البائع ، بالاضافة الى عدم امكانية التحقق في بعض الاحيان من مصداقية المعلومات المطروحة عن المنتجات وهوية المروجين لها ، فضلا عن عدم ظهور هوية البعض الاخر خلف الشاشات مما قد يزيد من فرص عمليات الاحتيال وخداع المستهلك .
لاشك أن التقنيات الحديثة، قد وفرت على الكثيرين الوقت والجهد المبذول في عملية الشراء وقد تكون ايضا مفيدة فيما يتعلق بطرح منتجات أرخص من الاسعار الموجودة في الاسواق التقليدية لغياب فكرة الوسطاء وقنوات التوزيع إلا ان الشراء عن طريق الانترنت لابد ان يكون عن وعي وفهم عميق لطبيعة الوسيلة وطبيعة الاحتياجات وقائمة الأولويات حتى لا يتحول الإنفاق الى نوع من السفه واقتناء أشياء لا فائدة منها ومن هنا نؤكد على أهمية تحقيق التوازن بين الانفاق والادخار بل والاستثمار واستخدام تلك الوسائل في تحقيق عوائد على الاستثمار تسمح بتحسين مستوى المعيشة والرخاء الاقتصادي للفرد والأسرة والمجتمع.

Scroll to Top