د. عبير عزي تكتب// ثقافة الاختلاف على وسائل التواصل الاجتماعي

يعتبر الحق في الاختلاف قيمة حضارية وإنسانية تكفلها المواثيق والقوانين والأعراف المجتمعية ، ويشير الى احترام وجهات النظر والآراء دون تسفيه لقيمة الرأي المختلف أو التقليل منه ، وهو الأمر الذي يتماشى مع الطبيعة التي خلق الله عز وجل عليها الناس من حيث اختلاف الأجناس والأعراق والألوان واللغات واللهجات والأفكار والمعتقدات والثقافات ، وهنا تكمن فلسفة الخلق التي جسدتها الآية الكريمة ” ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ولذلك خلقهم ”
فالتعددية والاختلاف هي من صفات البشر التي خلق الله الناس عليها ، والحضارة الحقيقية تبنى على ثقافة قبول الآخر والحق في التعايش السلمي مع المختلف دون عنف أو إيذاء .
ويتطلب ممارسة الحق في الاختلاف مجموعة من الضوابط منها مراعاة حق الآخر في إبداء رأيه والتعبير عنه بحرية ومراعاة أخلاقيات الاختلاف وأدب الحوار حتى لا يتحول إلى حالة من الفوضى والغوغائية.
ولقد سمحت وسائل التواصل الاجتماعي بإتاحة الفرصة للجميع بتبادل الآراء في هذا الفضاء المفتوح وهي بحق الميزة التي يمكن أن تتحول الى عيب إذا أسيء استخدامها ، حيث كثيرا ما تتحول تلك الفضاءات الى ساحة إلى الفوضى من خلال ممارسات التعصب وفرض الرأي بالقوة والتخوين وتبادل السباب لكل من ينتهج فكرا أو موقفا مختلفا ، فعلى سبيل المثال نجد التعصب الرياضي في المجال الكروي ، حيث يلجأ البعض الى استخدام الألفاظ الخارجة والبذاءات اللفظية التي تطال جماهير ومشجعي بعض الأندية من المتعصبين المنتمين لصفوف الفريق المنافس في ساحة أشبه بساحة المعارك ، وغيرها من مظاهر التعصب للرأي سواء على المستوى الأيديولوجي أو العقائدي أو العرقي ، وتحولت كثير من تلك المنصات الى ساحة للقتال والتراشق دون وجود أية ضوابط تحكم الاختلاف .
وتقاس حضارة الشعوب بمدى قدرتها على تقبل الاختلاف والتعايش السلمي الذي يضمن المساواة والعدالة الاجتماعية والحوار الحضاري ، فحينما يتحول الاختلاف الى خلاف يصبح نذيرا للخطر ، والحقيقة ان الاختلاف يثري الحضارة الإنسانية ويعزز فكرة التكامل فالليل يكمله النهار ، ولا أحد يملك الحقيقة المطلقة ، والانفتاح على الرأي الآخر قد يفتح آفاقا جديدة للإبداع والابتكار ، فكم من الاختراعات والاكتشافات جاءت نتيجة التفكير المختلف المبدع ، ورسالتي للجميع أن نستخدم وسائل التواصل الاجتماعي في التعبير عن الرأي بشكل واعي وأخلاقي ، وأن أترك للآخرين الحق في التعبير كما أعطيه لنفسي طالما كان هذا الرأي لا يخرج عن قواعد اللياقة والثوابت والقيم المجتمعية دون تحريض ، ودون إفراط أو تفريط في استخدام هذا الحق.