عالم المرأةمقالات

د. عبير عزي تكتب// “التفكك الأسري وعلاقته بوسائل التواصل الاجتماعي”

تعتبر الأسرة الركيزة الأساسية لبناء مجتمع صحي وتحقيق التنمية المجتمعية والتطور الحضاري. ولقد أثر طهور وسائل التواصل الاجتماعي على طبيعة العلاقات الانسانية بشكل عام والأسرية بشكل خاص . حيث تقلص الوقت الذي يقضيه أفراد الاسرة مع بعضهم البعض نتيجة للإفراط في استخدام تلك الوسائل ، حيث تسببت في حالة من الادمان بقضاء فترات طويلة على تطبيقات الهواتف الذكية على حساب أوقات التواصل الشخصي بين أفراد الأسرة ، كما أدت إلى حالة من العزلة التي أصبحت تفصل الإنسان عن الواقع الحقيقي ليعيش في واقع افتراضي موازي . ولقد أكدت نتائج الدراسات التي أجريت في هذا المجال على ارتفاع نسب الطلاق والخيانة الزوجية نتيجة سهولة وإتاحة هذه الوسائل لفكرة التواصل مع الآخرين دون جهد أو عناء وهو ما نتج عنه تفكك الأسرة وزيادة حجم الفجوة بين الأزواج نتيجة ان الوقت الذي أصبح يقضيه الطرفين في الواقع الافتراضي جاء على حساب العلاقات الشخصية وخلق مشكلات زوجية سواء من خلال التعليق على الصور أو من خلال غرف الدردشة ، أو الرسائل التي قد يراها أحد طرفي العلاقة الزوجية مع شخص آخر في هذا الفضاء المفتوح الخارجة عن أخلاقيات المجتمع ، كما أن الإفراط في استخدامها يأتي على حساب الوقت الذي يقضيه أفراد الأسرة مع بعضهم البعض ، كما قد يخلق فكرة عدم الاكتفاء الزوجي والانسياق وراء مشاعر ليست حقيقة في واقع افتراضي تسوده عمليات الخداع والتزييف والتصنع والهروب من مشاكل الواقع بدلا من مواجهتها وهو الأمر الذي يشكل تهديدا خطيرا لكيان الأسرة . ويتجرأ الكثيرون خلف هذه الشاشات دون وجود رادع أخلاقي ليسمحوا لأنفسهم باختراق المساحات الشخصية للآخرين وأصبح الانزلاق في هاوية تلك الممارسات أمرا مألوفا لدى ضعاف النفوس ، ومع الوقت يصبح أمرًا عاديًا وهي ظاهرة خطيرة قد تهدد كيان الأسرة بالانهيار ، وأصبح الواقع الافتراضي مجالا لكثير من الاشخاص لإظهار أمراضهم النفسية والاجتماعية والبحث عن مبررات واهية لإضفاء المشروعية على تلك الممارسات . ولا يقتصر تأثير تلك الوسائل على الأزواج فقط بل يمتد إلى الأبناء ، حيث أثبتت الدراسات ان استغراق الأطفال في العالم الافتراضي ولاسيما في ألعاب الفيديو تتسبب في تأخر النمو العقلي للأطفال وضعف مهارات التواصل وصعوبات التعلم واكتساب قيم العنف نتيجة لممارسة تلك الألعاب .
ناهيك عن ممارسات النصب والاحتيال وانتحال الشخصية، والحسابات المزيفة التي تمثل أمراضا اجتماعية لا حصر لها.
ودعوتي إلى المجتمع والأسرة والمدارس والجامعات والمؤسسات الدينية ووسائل الاعلام أن ترفع الوعي بتلك المخاطر ، وتقنين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل بناء وإيجابي من خلال تربية الابناء وتعليمهم ،وضرب نماذج القدوة من خلال الأسرة وتقوية الأواصر الاجتماعية والتواصل الإنساني وأن نخصص مزيدا من الوقت لنستمع إلى بعضنا البعض ، وقضاء أوقات التسلية والفراغ في نشاطات جماعية مفيدة تعزز فكرة التفاعل الإنساني وتجمع أفراد الاسرة ببعضهم البعض ، بعيدا عن تلك الفضاءات التي أخذتنا بعيدا عن إنسانيتنا وإحساسنا بالآخر ، وسيظل التواصل الانساني في مختلف أشكال العلاقات هو صمام الأمان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى