إبراهيم شعبان يكتب// أسامة أنور عكاشة.. تاريخ الدراما وفصّها النادر

كان من حسن حظي، أن التقيت الكاتب الكبير الراحل، أسامة أنور عكاشة أكثر من مرة، في أحاديث متعددة في بدايات الألفية، لجريدتي القاهرة ونهضة مصر وغيرهما. مرة للحديث عن أعماله التلفزيونية وأخرى للحديث عن سينما أنور عكاشة، وقد قدم فيها بعض الأفلام الهامة، وإن لم تكن في صيت أعماله التلفزيونية. وجاء هذا مرة في منزله في حدائق الأهرام، وأخرى ذهبت لمقابلته رحمه الله في شقته في سيدي بشر بالإسكندرية.
أفخر بهذه اللقاءات وبعشرات الاتصالات التليفونية معه، فقد كان رحمه الله حاضرا وبقوة في المشهد الثقافي والفني وقت حياته. وأترحم على هذا الرجل الذي كان وسيظل ملكا للدراما التلفزيونية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
كنت مبهورا للغاية بشخصه، فلم يكن فقط كاتبا عتيدًا للسيناريو والدراما التلفزيونية، ولكنه أبو الروائع ليالي الحلمية وضمير أبله حكمت وأرابيسك والشهد والدموع وعصفور النار وزيزينيا والمصراوية، وعشرات الأعمال التي حفرت اسم أسامة أنورعكاشة في وجداننا.
والحق أن النصوص التي كتبها أسامة أنور عكاشة والحديث في ذكرى ميلاده رحمه الله، مع احتفاء واسع هذه الأيام بسيرته وانتاجه كانت ولا تزال من أمتع النصوص التلفزيونية، وقد أوجدت أعماله “الكاتب النجم”، وكانت المسلسلات تباع حيث يتصدرها اسمه مثل نجوم أعماله بالضبط لشهرتها الواسعة، بعدما اقتحمت العالم العربي وأسرت شعوبه، وسطّرت دراما تلفزيونية من لحم ودم، قريبة جدا من الناس وناطقة بمشاكلهم وقضاياهم.
شخصيات أعمال أسامة أنورعكاشة، لا تزال حاضرة في أذهان الناس، سليم البدري وزينهم السماحي وحسن أرابيسك وأبو العلا البشري وغيرها وغيرها.
أسامة أنور عكاشة، مدرسة فنية متفردة، هو نجيب محفوظ الكتابة التلفزيونية، استطاعت أعماله أن تصل للجميع بصدقها وحبكتها وقضاياها الحقيقية فالتلفزيون في كل منزل.
وبالطبع إذا قارنا اليوم، بين ما كان يكتبه أسامة أنور عكاشة من نصوص تلفزيونية وبين ما هو موجود وسائد، فأعماله هى الدررالفريدة في الأعمال الدرامية التي عاشت على مدار 40 عاما، وستعيش بعده عشرات السنين، لفرط صدقها وحقيقتها وإخلاصه لشخصياته الفنية، وكتابة أعمال من لحم ودم ومن بيئة الناس وحياتهم، وهذه بالطبع غير ما يقدم اليوم من نصوص سافرة، مليئة بالبلطجة والعنف والخيالات البغيضة والبيئات الشاذة والغريبة عن مجتمعنا حتى كثيرا ما أتساءل من أين هذه الشخصيات؟ وأي بيئات مريضة أوجدت مثل هذه الأنواع؟ وهل هؤلاء فعلا هم الشريحة العظمى من المجتمع المصري التي تعكس قضاياهم وهمومهم الدراما التلفزيوينة!!
الدراما التلفزيونية لها فرسان، وأميرها الأول سيبقى أسامة أنور عكاشة بلا منازع، بعدما حفر اسما وخلق عالما من الدراما التلفزيونية صعب تجاوزه أو تشييد مثله.
رحمك الله أبا هشام، جزاء ما قدمت وأبدعت من أعمال فنية خالدة.