الكاتب الصحفى العارف بالله طلعت يكتب: الرؤية المصرية فى حل الأزمة الليبية!!

شهد النصف الأول من العام 2020 تحولاً كبيراً في طبيعة المعارك العسكرية في ليبيا وخاصة فيما يتعلق بالسيطرة العسكرية على الأراضي بعد التقدم العسكري الذي حققه الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق تمر الأزمة الليبية بمرحلة حرجة تزيد من تعقيدها وتحمل تداعيات أمنية غاية في الخطورة لا تنحصر داخل الحدود الليبية بل تتجاوزها إلى دول الجوار الليبي. وتسعى مصر نحو تحقيق الاستقرار الإقليمي وإنهاء النزاعات والحل السياسي والانخراط في مسار سياسي يخرج ليبيا من الأزمة الحالية وتدعو مصر منذ اندلاع الأزمة الليبية قبل تسع سنوات من ضرورة المقاربة الشاملة لإنهاء الأزمة الليبية من خلال التعاطي مع جميع أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعدم الاكتفاء بالبعد الأمني
ومصر بشعبها العظيم وجيشها القوي كانت ولا تزال تعمل من أجل السلام وتدعو لتسوية كافة والإبقاء على مناخ الحوار الليبي الليبي وبما يحد من التدخلات الخارجية.وجاءت أبرز بنود مبادرة “اعلان القاهرة” بشأن ليبيا في التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وبناءً عليه التزام كافة الأطراف بوقف إطلاق النار اعتباراً من سعت 600 يوم 8/6/2020 .وارتكاز المبادرة بالأساس على مخرجات قمة “برلين” والتي نتج عنها حلاً سياسياً شاملاً يتضمن خطوات تنفيذية واضحة (المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية) واحترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي استثماراً لما انبثق عن مؤتمر “برلين” من توافقات بين زعماء الدول المعنية بالأزمة الليبية .واستكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية (5 + 5) بـ “جنيف” برعاية الأمم المتحدة وبما يترتب عليه إنجاح باقي المسارات (السياسية والأمنيةوالاقتصادية) أخذاً في الاعتبار أهمية قيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية وتفكيك الميليشيات وتسليم اسلحتها حتى تتمكن القوات المسلحة (الجيش الوطني الليبي) بالتعاون مع الأجهزة الأمنية من الاضطلاع بمسئولياتها ومهامها العسكرية والأمنية في البلاد .والعمل على استعادة الدولة الليبية لمؤسستها الوطنية مع تصعيد الآلية الوطنية الليبية الملائمة لإحياء المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة واستثماراً لجهود المجتمع الدولي لحل الأزمة الليبية .
وإعادة سيطرة الدولة على كافة المؤسسات الأمنية ودعم المؤسسة العسكرية (الجيش الوطني الليبي) مع تحمل الجيش الوطني مسئولياته في مكافحة الإرهاب وتأكيد دوره بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والشرطية لحماية السيادة الليبية واسترداد الأمن في المجال البحري والجوي والبري .ويقوم المجلس الرئاسي باِتخاذ قراراته بالأغلبية عدا القرار السيادية المتعلقة بالقوات المسلحة فيتم اتخاذ القرارات أو البت في المقترحات التي يقدمها القائد العام للقوات المسلحة في هذه الحالة بالإجماع وبحضور القائد العام للقوات المسلحة.وشهدت المبادرة المصرية ترحيبا عالميا كبيرا، خاصة من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من الدول كما تحرص مصر على التنسيق الدائم وبشكل منتظم مع بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بما يدفع الحل السياسي قدماً على ضوء ما أكده صدور “إعلان القاهرة” من إمكانات التوصُل إلى مثل هذا الحل في إطار المبادئ والخلاصات التي أقرتها قمة برلين .
حيث تواصلت مع القوى الإقليمية والدولية كالولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا من أجل إعطاء هذا الإعلان قوة دفع وزخم وبالفعل رحب العالم بهذا الإعلان الذي أصبح مرجعية أساسية لحل الأزمة الليبية. واجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع مشايخ وأعيان القبائل الليبية تحت شعار “مصر وليبيا.. شعب واحد.. مصير واحد” وأكد الرئيس خلال كلمته على : لن نسمح بالرهان على المليشيات المسلحة في ليبيا . ومصر قادرة على تغيير المشهد العسكري بشكل سريع وحاسم . ومصر لن تقف مكتوفة الأيدي حال تجاوز خط سرت – الجفرة . ولن نقبل بزعزعة أمن واستقرار المنطقة الشرقية في ليبيا . وسنواجه بكل قوة أي تحركات مباشرة لتهديد الأمن القومي المصري والليبي . والجيش المصري من أقوى الجيوش في المنطقة وإفريقيا .
ومصر تدعم دائما الحل السياسي في ليبيا وليس لديها أي مواقف مناوئة للغرب الليبي .وعدم امتلاك أطراف النزاع الإرادة للحل السياسي سببه تدخل قوى خارجية توظف بعض الأطراف لمصالحها. وجدد الرئيس السيسي دعوته لإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية مؤكداً مواصلة القاهرة جهودها للتنسيق مع الليبيين لضمان وحدة المؤسسات الوطنية الليبية. وفى 16 سبتمبر2021 استقبل الرئيس “عبد الفتاح السيسي” رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية “عبد الحميد الدبيبة” في القاهرة بحضور رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي ورئيس جهاز المخابرات العامة عباس كامل ورحب السيسي بالدبيبة في زيارته إلى مصر للمشاركة في اجتماعات اللجنة العليا المصرية الليبية المشتركة مؤكداً الأولوية القصوى التي توليها مصر لعودة الاستقرار إلى ليبيا وتمكينها من استعادة دورها إقليمياً ودوليا كما شدد على موقف مصر الثابت تجاه احترام السيادة الليبية والحفاظ على وحدة أراضيها
وأكد وزير الخارجية سامح شكري في كلمته في مؤتمر دعم استقرار ليبيا أن مقتضيات المصارحة بين الأشقاء والشركاء تملي علينا التأكيد على حتمية التعامل مع الإشكالية الرئيسية التي تقف حائلاً أمام استعادة ليبيا لسيادتها ووحدتها والمتمثلة في تواجد القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب على أراضيها وهو ما يؤثر سلباً على الأمن القومي لليبيا خاصة وعلى أمن دول جوارها العربي والأفريقي عامة.فلا مجال للحديث عن تحقيق استقرار ليبيا بصدق وجدية إلا بالتنفيذ الكامل لما نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 2570 والمخرجات المتوافق عليها دولياً وإقليمياً الصادرة عن مؤتمر برلين 2، وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي ودول جوار ليبيا بشأن انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا بدون استثناء أو تفرقة وهو ما سيمثل إنصاتاً واستجابة لرغبة بل ومطالبة الشعب الليبي مما سيتيح الفرصة الحقيقية لبناء وتطور القدرات الذاتية الليبية بحيث يأخذ الليبيون مقدراتهم في أيديهم وأن مصر على استعداد لتقديم كافة سبل الدعم للأشقاء في ليبيا في هذا المجال ونتطلع إلى تضافر جهود المُجتَمعين في المؤتمر للخروج بتوافق على تحقيق تحديد أدوات تنفيذ ومراقبة إتمام خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا في إطار زمني واضح.وتطبيق كافة بنود اتفاق وقف إطلاق النار
ومع استكمالًا لدور مصر وجهودها في الوصول إلى حل سياسي للأزمة الليبية بوصفها تقع ضمن الدائرة الأولى لدوائر اهتمام الأمن القومي المصري توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الفرنسية للمشاركة في أعمال مؤتمر باريس الدولي حول ليبيا تأكيدًا على الدور المحوري للدولة المصرية في دعم المسار السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري في ليبيا، وتوافقت الرؤية المصرية لحل الأزمة السياسية الليبية مع البيان الختامي الذي تم إقراره لمؤتمر باريس، في محاولة لإيجاد توافق دولي نهائي تمهيدًا لإصدار قرار أممي موحد يتضمن ثلاث عناصر رئيسة هي “إجراء الانتخابات في الموعد المحدد وخروج المرتزقة والقوات الأجنبية والحفاظ على السيادة الوطنية والاستقلالية الليبية من خلال دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني في البلاد”، وهو ما ظهر في كلمة الرئيس السيسي أمام مؤتمر باريس، والتي طالب فيها القوى الدولية بالعمل معًا من أجل القضاء على فكرة وجود القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب على الأراضي الليبية، والتي تختلف مع قراري مجلس الأمن رقمي ٢٥٧٠ و٢٥٧١ والمخرجات المتوافق عليها دوليًا وإقليميًا الصادرة عن مؤتمر برلين ٢، ومقررات جامعة الدول العربيةوالاتحاد الأفريقي ودول جوار ليبيا .ووجه الرئيس السيسي رسالة للقوى الدولية التي تهدف إلى عرقلة الاستقرار الليبي نتيجة العبث بمقدرات الدولة بدافع التمدد في إشارة لحلم الدول إلى استعادة أمجاد الماضي وسياسة فرض الأمر الواقع باستخدام القوة العسكرية أو المادية وتوفير ملاذات آمنة ودعم للجماعات الإرهابية والمتطرفة أو نقل عناصرها من دولة إلى أخرى لتحقيق مصالحهم الضيقة البعيدة عن مصالح الشعب الليبي الحر، مخاطبًا الشعب الليبي الحر بضرورة توحيد الصفوف والعمل على إيجاد صيغة تشاورية لإتمام العملية الانتخابية في موعدها المحدد، بإرادة ليبية حرة، بعيدًا عما تمليه القوى الدولية المتدخلة في الشأن الليبي فدعا البيان الختامي كذلك إلى إنشاء هيئة المصالحة الوطنية العليا برعاية المجلس الرئاسي الانتقالي . والرئيس عبدالفتاح السيسي يؤكد أن هدف مصر الاساسي هو تحقيق السلام والامن للاشقاء في ليبيا وتفعيل الارادة الحرة لشعبها وان المصلحة العليا للدولة الليبية تأتي في المقام الأول والتي تنبع مبادئ الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية واستعادة الأمن والاستقرار بها وإنهاء التدخلات الأجنبية خلال لقاءه مع السيد محمد المنفى الرئيس الجديد للمجلس الرئاسى الليبى.