رسائل «السيسي» للمصريين في الذكرى الـ 47 للنصر المجيد
تحتفل القوات المسلحة هذا العام بمرور 47 عاما على انتصار أكتوبر العظيم عام 1973، وهو ذكرى انتصار تضافرت فيه جهود الشعب المصرى والجيش، فى مواجهة العدو الإسرائيلى، حيث انتصرت مصر فى حرب يتم تدريسها عالميا، باعتبارها انتصار للعسكرية المصرية، هذا فيما تزايد إقبال المواطنين من مختلف محافظات الجمهورية بمحيط النصب التذكارى فى مدينة نصر، للاحتفال بذكرى انتصارات حرب أكتوبر المجيدة ودعم الدولة والرئيس السيسى، حيث رفع المواطنون أعلام مصر وصور الرئيس عبد الفتاح السيسي وسط أجواء مبهجة.
فقبل 47 عاما وتحديدا قبيل حرب أكتوبر العظيمة ، كانت مصر تواجه خطرا واحدا ، تجسد في العداء الأسرائيلي وإحتلالها لجزء من أراضينا ، فجاءت الإرادة المصرية وحققت نصرا عالميا مازال يُدرس في غالبية المعاهد العسكرية الدولية ..ومع مرور السنون والأعوام تحول الخطر الواحد إلي أخطار عدة اشد ضراوة وقسوة وجميعها يهدف إلي هدم الأمة المصرية رأسا علي عقب سواء كانت تلك الأخطار من ناحية الجنوب وحرماننا من مياة النيل أو من ناحية الشمال لحرماننا من مقدراتنا الطبيعية في البحر المتوسط أو من الشمال الشرقي لأقتطاع جزء من أراضينا أو من الغرب للتعدي علي أمننا القومي أو من الداخل لطمس هويتنا من الجماعات الإرهابية ..ورغم تلك الأخطار الجسيمة و المتعددة الروافد ، فإن قدرتنا علي تحقيق النصر تزداد يوما بعد يوم ..والقاسم المشترك في القدرة علي مواجهة خطر ما قبل حرب أكتوبر المجيدة والاخطار الحالية هو وعي المصريين لكل ما يحاك في كل مرحلة من مراحل تلك الأخطار ..وعلي سبيل المثال – لا الحصر- فإن البعض قد يختصر ملحمة نصر أكتوبر 1973 فى قوة المقاتل المصرى ومهارة استخدامه للسلاح، وعقيدة تحرير الأرض، فيما تنزوى النظرة للعقل الذى أدار المعركة بكفاءة واقتدار حتى عبرت مصر بر الأمان واستعادت الأرض ..والحقيقة الثابته هنا ، هو أن العقلية- التى أدرات معركة العبور العظيم مع العقلية التى ادارت معركة تحرير الوطن من الفاشية الدينية فى 30 يونيو 2013 ومواجهة الأخطار الحالية – تتقاطع في عدة محاور أهمها على الاطلاق التحام الشعب المصرى مع قيادته وحالة الوحدة التى تجمع المصريين من أجل تحقيق هدف واحد وهو الانتصار وتحرير الأرض فى أكتوبر ثم التخلص من براثن حكم الجماعة الارهابية فى يونيو ومواجهة ما يحاك حاليا .
تلك العقلية الجسورة التى قررت تحدى العالم كله من أجل حرية واستقلال مصر، وأعلنت استعدادها مع الشعب لدفع الثمن، هى روح الندية التى تسرى فى الجسد المصرى وتقوده لتحدى املاءات القوى العظمى والتى ظهرت بجلاء فى خطاب اعلان القرار الوطنى المصرى سواء فى خطاب النصر الذى القاه الزعيم الراحل محمد انور السادات امام مجلس الشعب فى 16 أكتوبر 1973، او خطاب الفريق اول عبد الفتاح السيسى فى 3 يوليو2013 والتى اعلن فيها قرار الشعب المصرى بالتحرر من اسر جماعة الاخوان الارهابية.
فى تلك المعارك كان الوعى الفطرى للمصريين هو البطل، رغم عنف الحملات النفسية وعمليات نشر الاحباط واليأس، الا ان المصريين تحدوا كل ذلك وقرروا فرض ارادتهم على العالم، صلابتهم وقوة تحملهم وتمسكهم بحريتهم واستقلالهم هزمت كل دعاوى الانهزام، وتمكنت القيادة السياسية فى الحالتين بالتفاف الشعب حولها من تجنيب مصر مخاطر الانزلاق الى النفق المظلم وتحقيق الامن والاستقرار.
السيسي وقضية الوعي
منذ اللحظات الأولى لبدء الحملات المغرضة المعادية لمصر، أدرك الرئيس عبدالفتاح السيسى أهمية وخطورة معركة الوعي، وقد نبه لها كثيراً فى خطاباته ولقاءاته عبر منابر مختلفة، لاسيما بعدما أصبحت الأكاذيب والشائعات تستهدف عقل ومشاعر المصريين.
وجاء التأكيد الأول للرئيس السيسى على أهمية استعادة الوعى فى مايو من العام 2014، وكان وقتها مرشحاً لرئاسة الجمهورية، ففى إطار حملته الدعائية للانتخابات الرئاسية، استقبل وفداً من الإعلاميين، وخلال هذا اللقاء أكد أن منظومة وعى المواطنين تحتاج إلى تطوير كبير، واستراتيجية إعلامية ضخمة تعاون الدولة على النهوض.
وفى فبراير من العام 2017، وخلال الندوة التثقيفية التى نظمتها القوات المسلحة، أكد الرئيس أن وعى المصريين هو حائط الصد الحقيقي، وأن التحدى الذى تمر به مصر أكبر من الرئيس والحكومة ومؤسسات الدولة، ولكن ليس أكبر من إرادة الشعب.
وفى أكتوبر من العام 2018، وخلال الندوة التثقيفية الـ 29 للقوات المسلحة، قال الرئيس السيسي: «الوعى المزيف أو المنقوص هو العدو الحقيقي». وتابع قائلاً: «المعركة منتهتش، مازالت موجودة بمفردات مختلفة، العدو دلوقتى بقى معانا وجوانا، واستطاعوا بالفكر إنشاء عدو داخلنا، يعيش بقتلنا ويبنى نفسه بهدمنا».
وفى أكتوبر من العام 2019، وخلال الندوة التثقيفية الـ 31 للقوات المسلحة، أكد السيسى أن مكامن القوة الحقيقية تتركز فى وعى المصريين، لأنهم وحدهم القادرون على حماية وطنهم وبأيديهم قد يتسببون فى ضياعه إذا هزموا فى معركة الوعى. وفى نوفمبر من نفس العام، وخلال افتتاح مشروعات قومية بنطاق محافظتى جنوب سيناء والسويس، قال السيسي: «الدولة لازم تبقى الحامى والمدافع عن وعى المصريين، عشان ملاحظ إن بقالنا شهور بيحاولوا كل يوم ينشروا 1000 و2000 شائعة وتكذيب وتحريف وإفك، والناس بسيطة ومعذورة ومشغولة فى حياتها اليومية».
وقبل أيام قليلة، وبالتحديد، خلال افتتاح مشروعات بترولية فى مسطرد، عاود الرئيس السيسى التأكيد على ضرورة زيادة وعى المصريين، مؤكداً أن وعى المواطنين هو السلاح الأقوى لمواجهة الأفكار الهدامة وحملات التشكيك، ودعا إلى الوعى بمخاطر ما يحاط بمصر من مخططات نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار.
قضية وعي المصريين كانت دائما ما يتم تجاهلها من القوى المهاجمة للدولة المصرية ، حيث تصورت أنه يمكن فى سنوات أو حتى قرون إنهاء الدور أو المشروع المصرى ذى الأبعاد الإنسانية والتى على رأسها إقرار العدالة والنزاهة لمصلحة المجتمع البشرى، ترى هذه القوى العدوانية أن وجود المشروع المصرى الإنسانى يعطل مصالحها القائمة على الاستغلال والهيمنة على الشعوب، ساندت مصر بكل قوتها دعوات تحرر الانسان العربى والافريقى من الاحتلال متحدية القوى العظمى فكان الرد حاضرا فى التواطؤ ضدها فى حرب 1967.
لكن العقل المصرى تعلم الدرس وقرر ان العلم ونقد الذات هو طريقه الدائم للانتصار، ظهر نتيجة ذلك فى حالة التخطيط المتقن التى ظهر عليها الجيش المصرى وباقى مؤسسات الدولة فى حرب اكتوبر، اطلقت صافرات الانذار بعودة الدولة المصرية القوية بعد سنوات من التيه، وكان لابد من تعطيل ذلك العقل مرة اخرى وتهيأت الاجواء لظهور الفاشية الدينية فى أواخر السبعينات لتلاحق العقل المصرى المنتصر فى اكتوبر، ورغم وصول جماعة الاخوان ممثل الفاشية الدينية الى كرسى الحكم، الا انه استطاع العودة من جديد ليدهش العالم بثورة 30 يونيو، يقود عقل اكتوبر أبناء وأحفاد الذين عبروا للنصر لعبور جديد مع جيشهم لانهاء احتجاز المتأسلمين لعقل مصر وتحريرها من براثن الفاشية الدينية.
يتميز عقل أكتوبر بأنه عقل ناقد لا يخادع نفسه واعى لكل ما يدور حوله لا يراوغ فى الحل ولا يقبل أنصاف الحلول ويبحث دائما عن الحل المبتكر وغير المتوقع ظهر ذلك فى تحطيم خط بارليف بأسلوب لم يتوقعه أحد، ثم ظهر بعد ذلك فى يونيو وهو يدير معركة القضاء على فيروس سى واستخراج الغاز المصرى تحت قصف اعلامى لا يتوقف لينتهى المرض اللعين الذى افترس اكباد المصريين، وينتهى العمل فى حقول الغاز قبل موعده الرسمى لتصبح مصر من بين اهم مراكز الطاقة فى العالم.
لا يلجأ عقل أكتوبر لتجزئة الحل بل يقوم بحل شامل للأزمة التى يواجهها حتى يقتلع أسبابها ويقوم بذلك وفق منهج وخطة متدرجة منضبطة ولا يتورط فى الاندفاع أو التراجع، ولايتأثر عقل أكتوبر بالأجواء الدعائية المحيطة به ولا تجبره على تغيير قراره حسب أهوائها لأنه ثابت فى رؤيته وحركته قائمة على المنهج والخطة فقرار حرب أكتوبر تم حسابه بدقة متناهية ولم يتأثر متخذ القرار بالأجواء المحيطة التى طالبته بالإسراع.
عندما نضع هذه المحددات ونطبقها على حركة الدولة المصرية الآن نجد أنها تدار وفق هذا العقل وكل قراراتها منذ ثورة 30 يونيو مرجعيتها الأولى خبرات عقل أكتوبر، فأول مافعلته الدولة المصرية عقب يونيو كان اعترافها بوجود قصور فادح فى وظائف الدولة وقررت فورا التعامل ومواجهة الأزمات المتراكمة كأزمة انقطاع التيار الكهربائى وانتشارالعشوائيات والاستيلاء على اراضى الدولة وفى المجال الاقتصادى ووفق خبرات عقل أكتوبر لم تقبل الدولة المصرية أسلوب المراوغة بل اختارت المواجهة وأصدرت قرار رفع الدعم وتعويم الجنيه والتوسع فى برامج الحماية الاجتماعية مثل تكافل وكرامة لاحتواء الاثار الجانبية لقرارات الاصلاح الاقتصادى، لأن عقل يونيو لن يقبل بخداع نفسه أو خداع الناس.
يخوض هذا العقل الفريد الان حربا لا تقل شراسة عن حرب تحرير الأرض من الاحتلال لأنه الان يحرر الأمة من احتلال العوز والمرض والجهل،مثلما يخوض حرب الإستعداد لمن يسعي إلي الأنتقاص من مقدراتنا أو الساعي لمنع سبل الحياة عنا ..
يخوض عقل يونيو بعد انتصاره على التغييب حربا عنوانها التشكيك فى كل ماينجزه أو يقوم به من أجل الأمة أنها الحرب القذرة التى يقف وراءها ويديرها تحالف الشر من الفاشيست الاخوان وأسيادهم فى الخارج. لم يدرك أعداء هذه الأمة الصامدة أن العقل الذى استعدناه من ظلام التغييب قادر على سحقهم فى حرب التشكيك.. وان قدر الأمة المصرية صانعة التاريخ هو الانتصار.
كيف تحمل المصريون فاتورة الاستعداد للحرب وفاتورة الإصلاح في مراحلة المختلفه؟
فى مسيرتها لتعبئة الموارد الاقتصادية من أجل الاستعداد للحرب في فترة ما بين حربى يونيو 1967 وأكتوبر 1973، قامت الإدارة الاقتصادية المصرية بقراءة التطورات الكبيرة في البيئة الاقتصادية الدولية لتحديد مسارات التفاعل معها بالصورة التي تعظم منفعة مصر منها أو تقلل مضارها. وكانت أهم تلك التطورات هي انهيار قاعدة الذهب واضطراب أسعار الصرف العالمية وارتفاع معدل التضخم عالميا وبالتالى ارتفاع تكلفة الواردات، هذا فضلا عن استمرار ارتباط العلاقات الاقتصادية الخارجية بالعوامل السياسية والأيديولوجية.
وقد ابتعدت الإدارة الاقتصادية المصرية بالاقتصاد المصرى عن الاضطرابات في أسواق الصرف من خلال التأكيد على نظام سعر الصرف المعمول به في مصر والقائم على أساس التحديد التحكمى لسعر الجنيه المصرى مقابل الدولار. وقد ساعدت اتفاقيات التجارة والدفع التي كانت مصر تنفذ من خلالها قسما كبيرا من تجارتها الخارجية، في تقليل حاجة مصر للنقد الأجنبى.
وفضلا عن مساهمة اتفاقيات التجارة والدفع في دعم نظام سعر الصرف في فترة ما بين حربى يونيو 1967، أكتوبر 1973، فإن تلك الاتفاقيات أدت إلى توفير حصيلة مصر من النقد الأجنبى لأغراض تمويل الواردات من دول العملات الحرة أو من الدول التي لا توجد بينها وبين مصر اتفاقيات تجارة ودفع. وبالطبع كانت تلك الواردات في غالبيتها الساحقة أن لم تكن كلها ضرورية لدعم استعدادات مصر لخوض معركتها ضد العدو الصهيوني.
وقد شهدت فترة ما بين حربى يونيو 1967 وأكتوبر 1973 زيادة مؤثرة في معدل التضخم العالمى الذي ارتفع من نحو 4.2% عام 1967 إلى 4.4% عام 1968 ثم إلى 5% عام 1969 ثم إلى 6% عام 1970 قبل أن يرتفع إلى 9. 4% عام 1973.
وكان ذلك الارتفاع مقدمة لبداية مرحلة التضخم السريع في العالم بعد حرب أكتوبر 1973. وعلى أي الأحوال كان هذا التزايد في معدل التضخم العالمى يعنى ببساطة ارتفاع تكلفة الواردات المصرية من الخارج. لكن تركيز التجارة الخارجية المصرية مع الدول الاشتراكية التي كانت أسعار صادراتها شبه ثابتة وتتحرك ببطء شديد ساعد على أن تبقى تكلفة وحدة الوزن من الواردات المصرية من الدول الاشتراكية شبه ثابتة أو تتحرك ببطء شديد.
وقد تعرضت مصر في فترة ما بين الحربين إلى ضغوط من الدول الغربية والمؤسسات المالية الدولية التي تهيمن عليها تلك الدول. وقد تجسدت تلك الضغوط في التضييق على صادرات مصر إلى أسواق تلك البلدان وأيضا في حرمان مصر من فرصة الاقتراض من أسواق رأس المال في البلدان الرأسمالية الكبرى أو من صندوق النقد والبنك الدوليين.
وكان التعامل المصرى مع تلك الظروف والضغوط قويا وملهما، حيث ركزت مصر على الاعتماد على ذاتها بصورة أساسية في تمويل استعداداتها للمعركة وركزت على التعاون في مجالات التجارة والقروض والتمويل على الدول الصديقة وعلى رأسها الاتحاد السوفيتى وأيضا على الدول العربية الشقيقة.
وبالنسبة للقروض السوفيتية لمصر، فإن سدادها كان يبدأ بعد عام من استكمال بناء المشروع الذي خصصت لتمويله لكى يكون الدفع من عائد الإنتاج. وكانت آجال السداد نحو 12 عاما وبفائدة لا تتجاوز 2.5%. ونتيجة لذلك لم يكن غريبا أن مصر أنجزت مجمع الحديد والصلب في الفترة ما بين الحربين رغم أن قيمته تجاوزت 165 مليون دولار، لكن القرض السوفيتى الميسر ساعد على انشائه بلا مشاكل، هذا فضلا عن القروض السوفيتية التي استخدمت في تمويل استيراد الكميات الضخمة من الأسلحة والمعدات العسكرية.
واعتمدت مصر بدرجة معقولة على ذاتها في تمويل الإنفاق الدفاعى والاستعداد للحرب مدفوعة في ذلك بطوفان من مشاعر الغضب الشعبى بسبب الهزيمة من إسرائيل في يونيو 1967، والرغبة الشعبية في خوض الحرب وتحقيق الانتصار على العدو الصهيونى بأى ثمن. ولذلك لم تتجاوز الديون الخارجية المدنية لمصر عند انتهاء حرب أكتوبر 1973 نحو 2.7 مليار دولار، يضاف إليها ديون عسكرية تقرب من 2 مليار دولار غالبيتها للاتحاد السوفيتى السابق.
وتلك الديون محدودة للغاية، خاصة إذا قورنت بما حصلت عليه الحكومة الصهيونية في ذلك الحين من مساعدات خارجية. فبين عامى 1967، 1973 تزايدت الديون الخارجية المدنية الإسرائيلية بمقدار 4726 مليون دولار لتصل إلى 6792 مليون دولار. وهو مؤشر على حجم ما تلقته إسرائيل من قروض خلال تلك الفترة، هذا إضافة إلى التعويضات الألمانية والمنح الأخرى التي لا ترد. وكانت المساعدات الرسمية الأمريكية وحدها لإسرائيل قد بلغت نحو 4312 مليون دولار خلال الفترة من 1967 – 1974 منها نحو 1655 مليون دولار منح لا ترد والباقى قروض ميسرة.
ورغم الحجم الهائل للمساعدات الخارجية التي تلقتها إسرائيل بين حربى 1967، 1973 والذي بلغ عدة أضعاف حجم المساعدات التي تلقتها مصر في تلك الفترة، فإن مصر تمكنت من خلال الاعتماد على الذات والمساعدات الأقل أن تواجه خسائرها الاقتصادية في حرب 1967 وأن تمول الانفاق الدفاعى اللازم لتجهيز جيشها للحظة المواجهة مع العدو الإسرائيلى. وعندما حانت لحظة الصفر كان الاقتصاد المصرى رغم كل الملاحظات الواردة ضمنيا على آدائه، قد مهد الطريق للحرب تاركا إدارة المعارك وكفاءتها لقادة عسكريين على درجة عالية من الوطنية والكفاءة، وقيادة سياسية أضاعت الكثير من بطولات الجيش والشعب، سواء بقرار تطوير الهجوم بعد أن انتهت اللحظة المناسبة له مما أدى لحدوث الثغرة، أو بعدم تدمير القوات الصهيونية التي أحدثت الثغرة بكل الوسائل المتاحة والممكنة، أو بوضع 99% من أوراق اللعبة بيد الأمريكيين الذين وقفوا صفا واحدا مع الصهاينة ضد مصر في تلك المعركة. لكن الاقتصاد في كل الأحوال وفى حدود الإمكانيات المتاحة قام بدوره في تهيئة مصر لخوض الحرب بصورة مقبولة، وقدم درسا في إمكانية الاعتماد على الذات.
يحكى الدكتور جلال أمين فى كتابه «قصة الاقتصاد المصرى» تفاصيل هذه الفترة وملابساتها، حيث ترتب على هزيمة 1967 انخفاض شديد فى موارد العملات الأجنبية، مما جعل الاستمرار فى معدل نمو مرتفع مع تحمل أعباء الإنفاق العسكرى استعدادا لحرب جديدة أمرا فى حكم المستحيل.
بقيام الحرب فقدت مصر آبار البترول فى سيناء، وخربت معامل تكرير البترول فى السويس، وأغلقت قناة السويس التى كانت تدر لمصر فى المتوسط سنويا 164 مليون دولار فى السنوات الـ7 قبل الحرب، وإضافة إلى ذلك انخفاض كبير فى إيرادات السياحة التى كانت تدر نحو 100 مليون دولار، فضلا عن الإنفاق الذى فرضه تهجير نحو مليون شخص من قناة السويس، والتكلفة الاقتصادية الضخمة.
كان أمام الرئيس جمال عبدالناصر، كما يروى جلال أمين، واحد من بدائل ثلاثة، إما أن يضحى بالإنفاق العسكرى ويقبل الهزيمة والصلح وأى عرض للتسوية، فى سبيل الاستمرار فى التسوية، أو أن يضحى بـ«التنمية والحرب»، فى سبيل رفع معدلات الاستهلاك، أو أن يضحى بالاستمرار فى التنمية مع السماح بالحد الأدنى من الزيادة فى الاستهلاك، فى سبيل الاستعداد للمعركة المقبلة، وهو الخيار الذى لم يكن لسواه بديل، ولا لغيره ملجأ أو طريق.
ولم تكن الدول الغربية لتقبل بالعودة لسابق عهدها بمد مصر بالقروض والمعونات التى تحتاجها، إذا لم تقبل مصر سلاما غير مشرف مع إسرائيل، والتخلى عن سياسة حماية الصناعة المصرية وتقييد الواردات.
وواجهت مصر فى أعقاب 67 ظروفا سياسية واقتصادية بالغة القسوة والخطورة، وحتى المعونات والمنح العربية المقدرة بـ286 مليون دولار سنويا، كانت تضيع فى خدمة الديون على مصر التى حان موعد استحقاقها، والبالغة أقساطها المستحقة الدفع سنويا نحو 240 مليون دولار، وكان من الطبيعى أن ينخفض معدل النمو فى الحرب إلى 3 %، وتتدهور المرافق العامة والبنية الأساسية، ويتراجع مستوى المعيشة وتنخفض الأجور، ويتدهور ميزان المدفوعات، ورغم ذلك فإنه حتى وفاة عبدالناصر لم تتجاوز ديون مصر المدنية 1 مليار و300 مليون دولار، وهى نسبة لا تتجاوز 25 % من الناتج الإجمالى القومى.
وسط كل هذه الظروف السياسية والاقتصادية الحالكة السواد، ومع ارتفاع الديون الخارجية لمصر لتتجاوز 5 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث الأولى من السبعينيات، وتراجع الصادرات، لم يكن أمام مصر سوى خيار واحد، هو الحرب فى مواجهة المستحيل والانكسار.
السيسي ينقذ الاقتصاد المصري من الفشل ببرنامج الإصلاح الاقتصادي
عقب ثورة 25 يناير و 30 يونيو، عادت الأخطار من جديد لتصبح اشد وطأة عما قبل حرب أكتوبر ، حيث اشتد ت الفتن وبدأت حرب الجماعة الإرهابية علي الدولة المصرية واشتعلت الحدود المصرية من جميع الجهات في وقت تردت فيه الأوضاع الأقتصادية ، وأقترب الوضع من إعلان مصر دولة فاشلة ، خاصة بعد لأن أنخفض الاحتياطي النقدي من 36 مليار دولار في نهاية 2010 إلى 16.3 دولار في بداية 2012 ، علاوة على تباطؤ حاد في معدلات الإنتاج، وتراجع ثقة المستثمرين.
كما خفضت ستاندرد اند بورز التصنيف الائتماني طويل الأجل من B – إلى CCC + وتم تخفيض التصنيف الائتماني قصير الأجل من B إلى C بسبب قلق البنوك الدولية من قدرة مصر على سداد القروض القائمة والجديدة، في الوقت الذي أدار فيه المستثمرون الأجانب ظهورهم على اقتصاد مصر ، يتمثل التحدي الأكبر للحكومة في تعزيز النمو برأس مال محدود
وعليه فقد عانى الاقتصاد خلال هذه الفترة، وسرعان ما قامت ثورة 30 يونيو لتصحيح مسار يناير وعودة الهيبة للدولة المصرية مرة ثانية. بالفعل تمكن الشعب بالالتحام مع الجيش والشرطة استعادة مقاليد الحكم السياسي من يد جماعة الإخوان التي حاولت من خلال تواجدها في السلطة تبني سياسات تخدمهم الأهل والعشيرة.
وجاءت مرحلة الرئيس “عبدالفتاح السيسي” بسياسات جديدة تتجنب فساد المراحل السابقة وتدعم النهج الإصلاحي من خلال عدد من المسارات التي انعكست على النشاط الاقتصادي الذي استعاد مكانته من جديد. ليتم إحياء النمو الاقتصادي مرة ثانية، واستطاع التعامل مع التحديات الداخلية بكفاءة وفعالية، علاوة على تبنيه برنامجًا للإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي وذلك لإثبات تعافي الدولة المصرية من حالة الفوضى التي كادت أن تعصف بأمنها واستقرارها.
سعت القيادة المصرية إلى توقيع اتفاقيات في مجال الطاقة وبناء محطات جديدة وإعادة هيكلة البنية التحتية الخاصة بنقل الغاز الطبيعي من مراكز الإنتاج إلى دول التوزيع. كما عمل السيسي على زيادة استكشافات الغاز وتطويرها. وانتقل إلى خفض المتأخرات الكبيرة في المدفوعات لشركات الطاقة الدولية للنفط والغاز. وقد شجعهم ذلك على إحياء أنشطتهم في مصر ، مما أدى إلى اكتشافات عديدة للغاز في شرق المتوسط، بما في ذلك حقل “ظهر” ، وهو أكبر حقل في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وفي هذا الصدد أطلق السيسي سلسلة من مشاريع البنية التحتية مثل الطرق الجديدة وافتتاح قناة السويس الجديدة، وإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة بقيمة 45 مليار دولار شرق القاهرة. كما تفاوض مع روسيا لإنشاء محطة طاقة نووية جديدة بتكلفة 20 مليار دولار.
تبني “السيسي” سياسات إصلاحية أكثر جراءة تهدف إلى تحفيز الاقتصاد، وتعزيز بيئة الأعمال في مصر وتحقيق نمو متوازن وشامل للجميع من خلال إعادة موازنة جوانب الاقتصاد الكلي، التي تضمنت خيارات سياسية صعبة تم تبنيها في وقت واحد. مثل قانون ضريبة القيمة المضافة، وتخفيض الحد من الطاقة، التي تحتوي على النمو المرتفع لفاتورة الأجور وتحرير الجنيه المصري.
استهدفت المرحلة الثانية من الإصلاحات تحسين مناخ الإدارة والاستثمار، الذي يتضمن قانون إصلاح الخدمة المدنية، الذي صدر في أكتوبر 2016، بالإضافة إلى مجموعة من الإصلاحات الجارية التي تستهدف إزالة الحواجز الاستثمارية وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وبدأ تنفيذ الإصلاحات إلى جانب الاستعادة التدريجية للثقة والاستقرار الأمر الذي أسفر عن نتائج إيجابية تمثلت في تحسن الاقتصاد الوطني بشكل تدريجي؛ حيث بلغ معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي 4.3٪ في 2015/2016 ، مقارنة بمتوسط 2٪ فقط خلال الفترة 2010 / 11-2013 / 2014، مدفوعًا بالاستثمار والصادرات والاستهلاك.
بجانب انخفاض العجز الإجمالي في الموازنة خلال النصف الأول من السنة المالية 2017 إلى 5.4 % من الناتج المحلي الإجمالي، منخفضًا من 6.4 % في الفترة نفسها من العام المالي 2016، ثم انخفض بنسبة 1% إلى 4.4٪ و 0.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي، خلال النصف الأول من العام المالي 2011 ( يوليو / يونيو)، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
وفي إطار مرحلة ما بعد تعويم الجنيه المصري –العملة المحلية-، أظهر سعر الصرف في البداية بعض التقلبات، ولكن بعد ذلك بدأت في تعزيز، ولا سيما مع الطلب القوي المستثمر الأجنبي على أدوات الدين المحلية. كما ارتفع صافي الاحتياطيات الدولية إلى مستوى قياسي بلغ 42.5 مليار دولار أمريكي في نهاية فبراير عام 2018 ثم إلي أكثر من 45 مليار دولار قبيل أزمة كورونا التي بدأت تأثيرها في مصر مارس 2020
وخلال العام 2019/2020 ، أصبح الأقتصاد المصري حديث القاصي والداني بعد أن حلق إلي مستويات نمو غير مسبوقة واستطاع مواجهة أزمات عديدة مر بها الاقتصاد العالمي ….ولكن لذلك فاتورته التي تحملها المصريون بصبر وجلد ، فعلى مدار أكثر من بضع سنوات لن تُمحى من ذاكرة المصريين، اتخذت الحكومة حزمة من القرارات الاقتصادية هي الأجرأ والأصعب في تاريخ مصر، وتحمل الشعب المصرى أعباء خطوات الإصلاح الاقتصادى الجريئة رقم قسوتها، وأشاد الرئيس السيسى بذلك قائلًا:”تحملكم لإجراءات الإصلاح الاقتصادى كان شرف لى”، كما أثنت كريستين لاجارد، مدير عام صندوق النقد الدولى السابق، فى بداية العام، على الشعب المصرى بما أبداه من صبر والتزام بعملية الإصلاح.
صبر المصريين وجلدهم كان نتاجا طبيعيا لوعيهم بما يحيط بوطنهم من أخطار وكشفهم لما يتم تدبيره للأنقضاض علي هذا البلد وتمزيقه ..ومن ثم كان صمود الدولة المصرية وتحقيقها للنصر تلو الأخر بعد أن تلاحم الشعب مع قيادته لوأد جميع أنواع الحروب التي ظهرت مؤخرا ..ومن ثم ظهرت مصر وهي تستعيد دورها القيادي و تفرض شروطها علي أكثر الدول العالمية والأقليمية جسارة علي الحقوق المصرية ..ولتبدأ مرحلة جديدة من قوة الدولة المصرية استعدادا لنمواجهة أية أحتمالات قد تؤدي إلي محاولات العبث بمقدراتها وحقوق شعبها .
===